حين أتاني النبأُ الدامي في عَجَلهْ
|
لم أسألْ نفسي : مَن قَتَله ؟
|
فالأسئلة عن القاتل ماتتْ
|
منذ اختنق الأخوة تحت رداء من صمت في أيلولْ
|
وتعلّق عنقودُ نجومٍ بمشانق سوداء على النيلْ
|
منذ نضوب الماء من المُدُن العربيهْ
|
ورجال ، كالأشجار ، اقتُلعوا
|
وابتُلعوا في الرمل المتحرّكْ
|
غرقوا شبراً شبراً .. رجلاً رجلاً
|
ما مُدَّتْ لهمُ يدْ
|
لم يتحرك حولهمُ غير كلام كحبال يمتدْ
|
يتحول بعد الخنق رثاءً وأكاليلْ
|
وحصاراً من جوقات وطبولْ
|
وعلى مفترقات دروب الثورة
|
بين حقول الفلاحين
|
في الحارات المهجورة ، بين صفوف الشعب المعزولْ
|
يترصدنا القَتَلَهْ
|
ولذا لم أسأل نفسي يوماً :
|
من منهم سيكون القاتل ؟
|
بل كنت أقولْ :
|
من منا سيكون المقتولْ ؟
|
***
|
لم أبك عليه ، بكيت الوطن المشلولْ
|
وهو يعد فجائعه في صمتٍ
|
ويحولها مسبحة بلهاء
|
كنت وحيداً أنصت للأرض الخرساء
|
والأرض تئن وترمقني وَجلهْ
|
وأنا أحسبها خجله
|
***
|
منذ أتانا بسلالات الحزن المكبوتْ
|
كنت أرى آثار خطاه دماءْ
|
كنت أرى دمه يتصببُ من بحر الظلمات إلى بيروتْ
|
ومن البصرة حتى بيروتْ
|
والمُدُن العربية في الذل تموتْ
|
كنت أراه
|
يرفع رجلاً لا تبرح هذي الأرض الجرداء
|
محتقناً بالغضب الموقوتْ
|
أعرفه وطناً يبحث عن رَجُلٍ
|
رجلاً يبحث عن قبرٍ
|
مدناً تتهاوى تحت براكين الغُرَباء
|
وأراه نبياً يرفض رحلات الإسراء
|
***
|
هذا زمنٌ يتفجّر فيه الرعدُ من الأرضِ
|
وتهطلُ من غيم الثورة فيه الأشلاء
|
يصطكّ الجائع بالجوع ، فتبرق رايات الشُهَداء
|
هذا زمن صار الفقر بذاراً فيه ،
|
مواسمه قهر ودماء
|
هذا زمن الخيبات المتصله
|
والجثث المتناثرة من المدن إلى الصحراء
|
فيه يصير القبر هواء
|
ويصير الكفن دماء
|
ويصير عزاء الناس تألّق إسم قتيلْ
|
تلك علامات ظهور الفقراء
|
يأتون الأرض المنهوبه
|
وسلاح الآتي ليس سوى دمه
|
وبه في الساحات يصولْ
|
ويجيء القتل فلا يسأل أحد عن إسم القاتلْ
|
بل يسأل عن إسم المقتولْ
|
***
|
حين يغيب الوجه ، وتحسب صاحبه قد ماتْ
|
يتكسر غصن في غابات مشتعله
|
تصرخ أشلاء القتلى تطلب ماء أو ثأراً
|
فتجمد بين حلوق الندابين الأصواتْ
|
ويجيء الصوت الحامل رائحة الأمواتْ :
|
"ما دام الفقر هواء نتنفسه
|
لن ينقطع مجيء الفقراء ما دام الفقر لدينا مرضاً
|
ينقله الآباء إلى الأبناء
|
لن تنهينا الأيام السوداء المحتقنه
|
فلدى الفقراء رصاصات بيضاء للأيام السوداء
|
تصنع يوماً أطول من ألف سنه
|
ولديهم أحقاد مختزنه
|
تتفجر منها الأرض برعد آخرْ
|
ينطق متهماً قدام الجمع المذهولْ
|
يعلن أسماء القتله
|
وتعددها معه أشلاء المقتولْ" |