انتظرني هنا مع الليل.. إنّي |
أنا في صدركَ المحطَّم سِرُّ
|
هكذا قالتِ الشقيّةُ واللَّيْـ |
ـلُ على صدرها أنينٌ وشِعْر
|
واهتزازٌ كأنّه قُبَل العُشّا |
قِ، لم يحمِها حجاب وسترُ
|
ولها نظرةٌ كأنَّ بقايا |
من وداع على الجفون تمرّ
|
نعسةٌ، وانتعاشة.. وهنا الشَيْ |
ءُ الذي قيل عنه للناس: سِحر!
|
وابتهالٌ كأنّه غُربة الطَّيْـ |
ـرِ، لها في سمائم البِيد سَيْر
|
ولها رعشةٌ كما انتفضتْ كأ |
سٌ بكفّي، فكلُّها ليَ سُكْر
|
ولها حيرةٌ تعلَّمتُ منها |
كيف تهويمةُ النبيّين تَعرو؟
|
ولها حين أقبلتْ ثمّ غابتْ |
ندمُ الوحي، حين يدنو يفِرّ!
|
انتظرني هنا.. وذابتْ كحُلمٍ |
صدَّه عن خُطاه للروح فجر
|
وأنا جاثم أُقلِّب كفّيْ.. |
يَ، كما قلَّب المقاديرَ دَهْر!
|
انتظرني هنا.. ومرَّ زمانٌ |
وأنا في ترقّبي مُستمِرّ
|
انتظرتُ الصَّباحَ، حتَّى أَتاني |
وبه كالظلام سُهْدٌ وفِكر
|
وانتظرتُ الضُّحى، فأقبل يرتا |
عُ، على ساعديه عُشبٌ ونَهر
|
وانتظرتُ الأصيلَ، حتى دنا مِنْـ |
ـنِي، وجنباه للصبابات وَكْر
|
وانتظرتُ المغيبَ. وهو غريبٌ |
أهلُه أورثوه ثُكْلاً ومَرّوا
|
خلَّفوه.. فلا النهارُ بمأوا |
هُ، ولا الليلُ. آهِ ضاع منه الـمَقَرّ!
|
كلَّ يومٍ جنائزُ النورِ تسعى |
وهو من خلفها وجومٌ وصبر
|
لاحِدٌ يَدفن الحياة بكفّيْـ |
ـنِ، هما ظلمةٌ ترامتْ، وفجر
|
تشهق الرّيحُ حوله فهي في الأفْـ |
ـقِ بكاءٌ من عالم الغيب مُرّ
|
وَهْو بوحُ الرمادِ، قبضُ حواشِيـ |
ـهِ سكونٌ، ومسُّ جنبيه جَمر
|
طال مثلي انتظارهُ فكلانا |
في جحيم الهدوء ألقاهُ أَمْر
|
وَلْوِلي يا رياحُ! أنتِ خِضمٌّ |
ما له أينما توجَّهتِ بَرُّ!
|
أنتِ مثلي تَلفُّتٌ وانتظارٌ |
فوق أوتاره الخفيّةِ نبر
|
جمعتْني بكِ الليالي كما يَجْـ |
ـمَعُ سِحرَ الهوى وبلواه صدر
|
أنتِ قيثارةٌ، وقلبي عزيفٌ |
وكلانا رماه في القيد أَسْر
|
كبَّلتكِ الآفاقُ، تجرين فيها |
لا مزارٌ يأويكِ، لا مُسْتَقرّ!
|
تشتكينَ الإسارَ والجوُّ ساهٍ |
ساهمٌ عن أساكِ، والكونُ وَقْر
|
أَعْولي يا رياحُ.. قيدُكِ خُلْدٌ |
وبلاياكِ ليس منها مَفرّ!
|
وأنا في القيود مثلُكِ حيرا |
نُ، أَخَيْرٌ سلاسلي أم شَرّ؟!
|
صلبتْني على مطافكِ أرزا |
ءٌ، رماني بها غرامٌ وشِعر
|
ومتاهاتُ شاعرٍ ضلَّ.. ما يَدْ |
ري، أَزُهْدٌ حياتُه أم كُفر؟!
|
حيّروه فملءُ جنبيْه لو يَدْ |
رونَ شيءٌ عذابُه مُستمِرّ
|
جاء يُفضي به، ولو كنتِ تُصْغِيـ |
ـنَ، لأدماكِ منه شوكٌ وصَخر
|
طوَّقتْ عمرَه غيومٌ هي الفنْ |
ـنُ الذي قيل عنه: خُلدٌ، وسِحر
|
لم يجدْ صاحباً على الدرب، فانْسا |
بَ، وأيامُه ضلالٌ وخُسْر
|
وحدَه في الطّريق.. لا نورَ إلا |
من بقايا ما كان أَهرق فجر
|
وحده! والرفيقُ نايٌ، ولو سا |
قَ خُطى راهبٍ فأنتِ الدير
|
ها هنا خيَّمتْ جراحي ووَسْوسْـ |
ـتُ، رياحي.. كأنْ حُداءٌ وقَفر
|
ومددتُ الجناحَ أرتقب النُّوْ |
رَ، وأشتاقه لعلّي أفِرّ
|
ولعلّي.. ومرَّ حولي زمانٌ |
والدجى والرياحُ نَوْحٌ وقبر
|
وأنا والظلامُ مُنتَظِرٌ مِثْـ |
ـلي... عبدٌ يُسلّيه في الغياهب حُرّ
|
قِمّةٌ من وساوس وارتعاشٍ |
أنا فيها رغمَ المقاديرِ نسر
|
انتظرْني هنا.. وطال انتظاري |
وَهْيَ في أعيني التفاتٌ وذُعر
|
وسؤالٌ لكلّ شيءٍ حوالَيْ |
يَ، وإيماءةٌ لكلّ طيف يَمرّ
|
وانتباهٌ، وغفلة، وربيعٌ |
وخريفٌ، وشَيْبُ زهرٍ، وعطر
|
وجناحٌ يهفو، وآخرُ يَهْتا |
جُ، ومن بين ما يرفّان طير
|
وأنا سبسبٌ توهَّج منهُ |
لخُطاها أَيْكٌ رطيب، وزهر
|
وَهْيَ لا أقبلتْ.. ولا عاد منها |
لشقائي بعودة الكأسِ خمرُ!! |