أمامكَ دنيا تُرهقُ القلبَ والعقلا |
فيا خاطري رفقاً ويا ناظري مهلا
|
تحيَّرَ فيها المصلحون وأَعجزتْ |
نُهى الفيلسوفِ الفذِّ والشاعرَ الفحلا
|
(طلاسمُ) تعيي الفكر فهماً فينحني |
خضوعاً لها مهما تكبَّرَ واستعلى
|
يعيش بها الإنسانُ طفلاً وإن بدا |
لعينيه كهلاً ثم يتركها طفلا
|
تصدُّ بلا ذنبٍ وتدنو بلا هوى |
فلا صدّها صداً ولا وصلها وصلا
|
فدعْ عنك أوهام الحياة فإنها |
تضن وتعطي لا سخاءً ولا بخلا
|
تعوَّدتُ منها حربها وسلامها |
ومارستُ من أخلاقها الجد والهزلا
|
فلم يُطغني نُجْحٌ ولا هدَّني أسى |
وما نقضتْ كفي نسيجاً ولا غزلا
|
جَرَتْ وجرينا وانتهينا ولم تزلْ |
تُسابق في غلوائها الصقر والوعلا
|
مشينا دجاها والضحى في عيوننا |
وجُزنا ضحاها والدجى يغمر العقلا
|
فدعها كما شاءت تدير أمورها |
(فما كفها حلماً ولا بطشها جهلا)
|
رآها (المعري) فازدراها ترفعاً |
وزهداً وألقى فوق غاربها الحبلا
|
وغرّ (النواسي) سحرها وجمالها |
فعبَّ ولم يترك بأقداحه فضلا
|
وكان كلا (الفكرين) فرْعيْ حقيقةٍ |
بكى ذاك شؤماً حين قهقهَ ذا فألا
|
ولستُ بذا .. أو ذاك لكنني أرى |
من الخير أن أحيا بها وسطاً عدلا
|
فمالك يا قلبي تثيرُ خواطراً |
بلينا بها فحصاً وبحثاً ولم تبلى
|
تكلفني ما لا أطيق وتشتهي |
رغائب .. قلبي من غلاوتها أغلى
|
حياتكَ أنْ تلقي الحياة .. بهمة |
تخوض الخضم العد والثمد الضحلا
|
وتبسمَ في وجه الزمان إذا قسا |
وتمشي ولو كان الثرى زلقاً وَحْلا
|
وإن كان شوكٌ في الطريق إلى العلا |
وحاولت أن تجتازه فالبس النعلا
|
فأنكد ما يلقاه فكرٌ مهذبٌ |
غباءٌ قويٌّ يحقر الفكر والفضلا
|
وأسعد ما تلقاه نفسٌ من المنى |
رضىً باسمٌ يستعذب الشمس والظلا
|
على أنني منها على قمة الرجا |
أراها بعين تركب الصعب والسهلا
|
فدع لِـيدِ الأيام غربلة القذى |
فإن لها كفاً تغربلها .. نخلا
|
ولذ بحمى الإيمان وارضَ بما قضى |
به الله ، واعلم أن حكمته أعلى
|
فللدين فضل في الحياة لأنها |
بغير الهدى تغدو جحيماً به نُصلى
|
وثق أنّ من أعطى الحياة جمالها |
وأقواتها لم يهمل الدود والنملا |