إني ليث الصندوق
|
ولدتني أمي في ظلمة صندوق خشبي
|
ونَمَوت أسير العتمة والبرد
|
لم تحرق جلدي شمس
|
وعيوني كعيون الميت
|
معلقة بدبوس في وجهي
|
لم تعتد أذناي سوى الصمت
|
لم تبصر عيناي سوى الظلمة
|
لأبعد ما بلغته خطاي مسافة شبر
|
لم أحسب أنّ هنالك أكواناً خلف اللوح
|
وأناساً طلقاء لهم نزوات ورغائب
|
ونجوماً تسّاقط فوق وسادة حالم
|
وقلوباً من فرط محبتها تتفجّر كالنفاخة
|
وأصابع إن لم تعصر تستسلم للسكين
|
في الظلمات نمت أطرافي كدود الأرض
|
وسمعت صدى نبضي
|
فخشيت بأن قنابل قد زرعت في جوفي
|
* * *
|
من داخل صندوقي
|
أنجز أعمالي اليومية
|
آكل خبز الوحدة
|
أشرب شاي الصمت
|
أنسج من وهمي أظلالاً تتعقبني
|
وأزوّدها ببنادق صمّاء
|
وأوراقاً لكتابة تقرير سريّ
|
فلقد نجهل أنفسنا إذ لم نلق لنا أظلالاً
|
* * *
|
من داخل صندوقي
|
لا توصلني بالدنيا غير فضالات هواء عفن
|
وظلام هو ما الحرب تخلف من نار ورماد
|
تتلاشى ذاكرتي
|
حتى لكأني – من بعد عقود – أولد تواً
|
تنحل بأحماض الصمت تماثيل خيالاتي
|
أسمع طقطقة عظامي
|
فأهيم بها طرباً
|
أسند رأسي فوق الألواح الصمّاء
|
وأحلم أحلام ملوك
|
سيّان أوان اليقظة في عمري والنوم
|
فالحمد لمن ساواني بالموتى
|
وبأكفان الراحة طوّقني حيّاً
|
* * *
|
وأشذب غابة أحلامي
|
كي لا تزحمها الجدران
|
وأضيّق نظراتي
|
لتوائم ابعاد الصندوق
|
اتخلى عن بعض عنادي
|
أكسر سيقان خيالاتي
|
أخرج من حرب طموحي امضى اسلحتي
|
* * *
|
لا خيرة عندي أن أحيا في صندوق
|
فلقد خلق العالم في هيئة قبر
|
ووجدنا فيه جميعاً موتى
|
نسعى خلف التبر
|
وفي داخلنا أكوام تراب |