شكا بؤس ماضيهِ الحفيل الجوانب |
بكل مصائب فادح العبء صائب !
|
وضاق به صدرا على طول صحبة |
تمل ، ويا بئس الأسى من مصاحبِ !
|
وود لو ان الدهر يعفيه برهة |
من الغابر المملول جم النوائب !
|
فأصغت له الأقدار في أمنياتهِ |
على أنها لم تصغِ يوماً لطالبِ !
|
وأعفته من ماضيه حتى كأنه |
وليد خلي القلب من كل نائبِ !
|
***
|
نضا عنه أعباء السنين الغواربِ |
ونحّى عن الآمال قيد التجارب
|
وعاد طليقاً لا يعوّق خطوهُ |
مراس ، ولا يثنيهِ خوف العواقبِ
|
وخفّض صوت الذكريات أو امّحى |
وجلجل كالناقوس صوت الرغائب
|
وآض وليد اليوم في ميعة الصبا |
جديداً بدنياهُ ، جديد المطالبِ
|
بعيدا عن الماضي الذي آده الأسى |
وحفّت به الأحداث من كل جانب !
|
***
|
ولكنه ألفاه أسوان موحشاً |
كما أفرد الأنسيّ من كل صاحبِ !
|
وألفاه في هذي الحياة كأنهُ |
غريب عرا ، في عالم من غرائب
|
وألفاه مقصوص الجناح إذا هفا |
إلى الأوج لم يسعفهُ عزم المغالب (1)
|
وإن همّ لم يبصر له من ركيزة |
تضاعف عند الوثب جهد المواثب (2)
|
وقد أبصر الآمال عرجاء لم تجد |
لها سند من ذكريات ذواهبِ (3)
|
فعاد إلى الأقدار يشكو صنيعها |
ويوسعها في شكوه عتب عاتبِ
|
أما يستطيع الدهر – لو شاء نصفة |
له – عوضاً عن غابر منه خائب
|
بماضٍ سعيدِ لم يشب صفوه الأسى ! |
فيحيا على ركنين : آت وذاهبِ !
|
***
|
فأصغت له الأقدار في أمنياته |
على أنها لم تصغ يوما لطالبِ !
|
وأعطتهُ أنقى صفحة في كتابها |
لأسعد مخلوق وأهنأ راغبِ !
|
ولكنه ألفاه لم يغد مالكاً |
لما منحتهُ من عزيز المواهبِ
|
وألفاه لم يكشف خبيئة نفسهِ |
لذيالك الماضي الذي لم يصاحبِ !
|
وأبصر بالآمال حيرى كأنما |
تساءل عن داع لها جد دائبِ !
|
دعاها فلما أقبلت في سمائها |
رأت غيرهُ في غفلةِ غير راقب (4)
|
وما الأمل " البسّام " إلا رغيبة |
لنفس ترى من دهرها وجه " غاضبِ "
|
***
|
فعاد إلى الأقدار يطلب عونها |
على رجع ماضيهِ بحسرة تائب!
|
أجل عاد ملهوفاً لمرّ التجارب |
وأيامهُ الأولى الظماء السواغبِ
|
أجل ذلك الماضي الذي هو بضعة |
من النفس دسّت في الحشا والترائبِ
|
***
|
فأصغت له الأقدار في أمنياته |
على أنها لم تصغ يوما لطالبِ !
|
وعاد إلى دنياه من بعد غربة |
وألقت عصاها واستقرّت بآيبِ
|
_______________
|
(1)يزيد في القوة أن يشعر الانسان أنه يغالب ، فإذا لم يجد ما يغالبه لم يكن هناك ما يثير عزيمته
|
(2)"محور الارتكاز " يساعد " القوة "في عالم المادة وهو هنا الماضي الذي يتكئ عليه
|
(3)الآمال والذكريات ركنا الحاضر ، فإذا ذهبت الذكريات بقيت الآمال عرجاء
|
(4)دعاها الماضي الشقي واقبلت فوجدت الماضي السعيد غبر ملتفت لها
|
*
|
1934 |