ما كنتُ أحسِبُ أني سوفَ أبكيهِ |
وأنّ شِعْري إلى الدنيا سينعيهِ
|
وأنني سوف أبقى بعد نكبتهِ |
حيّاً أُمزّق روحي في مراثيه ِ
|
وأنّ من كنتُ أرجوهم لنجدتهِ |
يومَ الكريهةِ كانوا من أعاديهِ
|
ألقى بأبطاله في شرّ مهلكةٍ |
لأنهم حقّقوا أغلى أمانيهِ
|
قد عاش دهراً طويلاً في دياجرهِ |
حتى انمحى كلُّ نورٍ في مآقيهِ
|
فصار لا الليلُ يُؤذيه بظلمتهِ |
ولا الصباحُ إذا ما لاح يهديهِ
|
فإن سلمتُ فإني قد وهبتُ لهُ |
خلاصةَ العمرِ ماضيه، وآتيهِ
|
وكنتُ أحرص لو أني أموت لهُ |
وحدي فداءً ويبقى كلُّ أهليهِ
|
لكنّه أَجَلٌ يأتي لموعدهِ |
ما كلُّ من يتمنّاه مُلاقيهِ
|
وليس لي بعده عُمْرٌ وإن بقيتْ |
أنفاسُ روحيَ تفديه، وترثيهِ
|
فلستُ أسكُنُ إلا في مقابرهِ |
ولستُ أقتاتُ إلا من مآسيهِ
|
وما أنا منهُ إلا زفرةٌ بقيتْ |
تهيم بين رُفاتٍ من بواقيهِ
|
إذا وقفتُ جثا دهري بكَلْكَلِهِ |
فوقي وجَرّتْ بيافوخي دواهيهِ
|
وإن مشيتُ به ألقتْ غياهبُهُ |
على طريقي شِباكاً من أفاعيهِ
|
تكتّلتْ قوّةُ الدّنْيا بأجمعها |
في طعنةٍ مزّقتْ صدري وما فيهِ!
|
أنكبةٌ ما أُعاني أم رؤى حُلُمٍ |
سهتْ فأبقتهُ في روحي دواهيه ِ
|
أعوامُنا في النضال المرِّ جاثيةٌ |
تبكي النضالَ، وتبكي خطبَ أهليهِ
|
بالأمسِ كانت على الطغيان شامخةً |
تجلوه عاراً على الدنيا وتُخزيهِ
|
وارتاع منها طغاةٌ ما لها صلةٌ |
بهم، ولا كان فيهم من تُناويهِ
|
لكنهم أَنِسوها شعلةً كشفتْ |
من كان عُريانَ منهم في مخازيهِ
|
فأجمعوا أمرَهم للغدر، وانتدبوا، |
لكيدنا كلَّ مأجورٍ، ومشبوهِ
|
واسْتَكلبتْ ضدّنا آلافُ ألسنةٍ |
تسُومُنا كلَّ تجريحٍ، وتَشْويهِ
|
من كلِّ مرتزقٍ لو نال رشوتَنا |
أنالنا كلَّ تبجيلٍ، وتنويهِ
|
وكلِّ طاغيةٍ لو نرتضي معهُ |
خِيَانَةَ الشعبِ جاءتْنا تهانيهِ
|
وكلِّ أعمًى أردنا أن نردّ لهُ |
عينيه، فانفجرت فينا لياليهِ !
|
وكلِّ بوقٍ أصمِّ الحسِّ لو نَبَحَتْ |
فيه الكلابُ لزكّاها مُزَكيّهِ
|
وألبّوا الشعبَ ضدَّ الشعبِ واندرأوا |
عليه من كلّ تضليلٍ وتمويهِ
|
ياشَعْبَنا نصفَ قرنٍ في عبادتهمْ |
لم يقبلوا منكَ قُرباناً تُؤدّيهِ
|
رضيتَهُمْ أنتَ أرباباً وعشتَ لهم |
تُنيلُهم كلَّ تقديسٍ، وتَأليهِ
|
لم ترتفع من حَضيض الرقِّ مرتبةٌ |
ولم تذق راحةً مما تقاسيهِ
|
ولا استطاعت دموعٌ منكَ طائلةٌ |
تطهيرَ طاغيةٍ من سكرة التّيهِ
|
ولا أصختَ إلينا معشراً وقفوا |
حياتَهم لكَ في نُصحٍ وتوجيهِ
|
نبني لك الشرفَ العالي فتهدِمُه |
ونَسْحَقُ الصَّنَمَ الطاغي فتبْنيهِ
|
نَقْضي على خصمكَ الأفعى فتبعثُهُ |
حيّاً ونُشْعُلُ مصباحاً فتُطْفِيهِ
|
قَضَيْتَ عُمْرَكَ ملدوغاً، وهأنذا |
أرى بحضنكَ ثُعباناً تُربّيهِ
|
تشكو لهُ ما تُلاقي وَهْو مُبتعثُ الشْـ |
ــكْوى وأصلُ البَلا فيما تُلاقيهِ
|
أحْلى أمانيهِ في الدنيا دموعُكَ تُجْـ |
ـريها، ورأسُكَ تحت النّيرِ تُحْييهِ
|
وجرحُكَ الفاغر الملسوعُ يحقِنُهُ |
سُمّاً، ويعطيه طِبّاً لا يداويهِ
|
فلا تُضِعْ عُمْرَ الأجيالِ في ضعة الشْـ |
ــكوى فيكفيكَ ماضيه، ويكفيهِ
|
فما صُراخُكَ في الأبوابِ يعطفُهُ |
ولا سجودُكَ في الأعتاب يُرضيهِ
|
لا عنقُكَ الراكعُ المذبوحُ يُشْبِعُهُ |
بطشاً، ولا دمُكَ المسفوحُ يُرويهِ
|
فامْدُدْ يديكَ إلى الأحرارِ متّخذاً |
منهمْ ملاذَكَ من رقٍّ تُعانيهِ
|
ماتوا لأجلكَ ثم انبثّ من دمهم |
جيلٌ تؤججُهُ الذكرى، وتُذكيهِ
|
يعيشُ في النكبةِ الكبرى ويجعَلُها |
درساً إلى مُقْبِل الأجيالِ يُمليهِ
|
لا يقبلُ الأرضَ لو تُعطى له ثمناً |
عن نهجه في نضالٍ، أو مَباديهِ
|
قد كان يخلُبُهُ لفظٌ يفُوه به |
طاغٍ، ويخدعُهُ وعدٌ، ويُغْويهِ
|
وكان يُعْجبه لصٌّ يجودُ لهُ |
بلقمةٍ سَلّها بالأمْسِ من فِيهِ
|
وكان يحتسِبُ التمساحَ راهِبَهُ الْـ |
ـقِدّيسَ من طولِ دمعٍ كان يجريهِ
|
وكان يَبذُلُ دنياه لحاكِمِهِ |
لأنه كان بالأُخرى يُمنّيهِ
|
وكان يرتاعُ من سوطٍ يلوحُ له |
ظنّاً بأن سلامَ الرقّ يُنجيهِ
|
واليومَ قد شبَّ عن طوقٍ، وأنضجَهُ |
دمٌ، وهزّتْه في عنفٍ معانيهِ
|
رأى الطغاةُ بزن الخوف يقتلهُ |
وفاتهم أن عنفَ الحقدِ يُحييهِ
|
قالوا انتهى الشعبُ إنا سوف نقذفهُ |
إلى جهنّمَ تمحوه، وتُلغيه ِ
|
فلينطفئْ كلُّ ومضٍ من مشاعرهِ |
ولينسحقْ كلُّ نبضٍ من أمانيهِ
|
وليختنقْ صوتُهُ في ضجّة اللهبِ الْـ |
أَعْمى وتحترقِ الأنفاسُ في فِيهِ
|
لِنْشربِ الماءَ دَمّاً من مذابحهِ |
ولنحتسِ الخمرَ دمعاً من مآقيهِ
|
ولنفرحِ الفرحةَ الكبرى بمأتمهِ |
ولنضحكِ اليومَ هُزْءاً من بواكيهِ
|
ولنمتلكْ كلَّ ما قد كان يملكهُ |
فنحن أولى به من كلّ أهليهِ
|
وَلْينسَه الناسُ حتى لا يقولَ فَمٌ |
في الأرض ذلك شعبٌ مات نرثيهِ
|
ويحَ الخياناتِ، مَن خانت ومن قتلتْ؟ |
عربيدُها الفظّ يُرديها وتُرديهِ
|
الشعبُ أعظمُ بطشاً يومَ صحوتهِ |
من قاتليه، وأدهى من دواهيهِ
|
يغفو لكي تخدعَ الطغيانَ غفوتُهُ |
وكي يُجَنَّ جنوناً من مخازيهِ
|
وكي يسيرَ حثيثاً صوبَ مصرعهِ |
وكي يخر َّوشيكاً في مهاويهِ
|
علتْ بروحي همومُ الشعبِ وارتفعتْ |
بها إلى فوق ما قد كنتُ أبغيهِ
|
وخوّلتْني الملايينُ التي قُتِلتْ |
حقَّ القِصاص على الجلاّد أَمْضِيهِ
|
عندي لشرِّ طغاةِ الأرضِ محكمةٌ |
شِعري بها شرُّ قاضٍ في تقاضيهِ
|
أدعو لها كلَّ جبّارٍ، وأسحبهُ |
من عرشه تحت عبءٍ من مساويهِ
|
يحني ليَ الصنمُ المعبود هامتَهُ |
إذا رفعتُ له صوتي أُناديهِ
|
أقصى أمانيه منّي أن أُجنّبَهُ |
حُكْمي، وأدفنه في قبر ماضيهِ
|
وشرُّ هولٍ يلاقيه، ويسمعهُ |
صوتُ الملايينِ في شعري تُناجيهِ
|
وإنْ يرى في يدي التاريخَ أنقلهُ |
بكلّ ما فيه للدنيا وأَرويهِ
|
يرى الذي قد تُوفّي حُلْمَ قافيةٍ |
مني فيُمعن رعباً في تَوفّيهِ!!
|
وليس يعرف أني سوف ألحقهُ |
في قبره ازْدادَ موتاً، أو مَرائيهِ
|
أُذيقه الموتَ من شعرٍ أُسجّرهُ |
أشدُّ من موتِ «عزريلٍ» قوافيهِ
|
موتٌ تجمّعَ من حقد الشعوبِ على الـ |
ـطُغيانِ فازداد هولاً في معانيهِ
|
يؤزّه في اللظى غمزي، ويُذهلُهُ |
عن الجحيم، وما فيه، ومَنْ فيهِ
|
سأنبش الآهَ من تحت الثرى حِمَماً |
قد أنضجتْه قرونٌ من تلظّيهِ
|
وأجمع الدمعَ طُوفاناً أُزيل بهِ |
حكمَ الشرورِ من الدنيا وأنفيهِ
|
أُحارب الظلمَ مهما كان طابعُهُ الْـ |
ـبَرّاقُ أو كيفما كانت أساميهِ
|
جبينُ «جنكيزَ» تحت السوطِ أجلدهُ |
ولحمُ «نيرونَ» بالسفّود أشويهِ
|
سِيّان من جاء باسم الشعبِ يظلمهُ |
أو جاء من «لندنٍ» بالبغي يَبغيهِ!
|
«حَجّاجُ حَجّةَ» باسم الشعبِ أطردهُ |
وعُنْقُ "جنبولَ "باسم الشعبِ ألويهِ |