أَجَنَّةُ الْخُلْدِ فيها الْحُسْنُ أَلْوانُ |
زَفَّتْ بَشائِرَها حُورٌ وَوِلْدانُ
|
أَلْقَتْ عَلَينا ظِلالَ الأَمْنِ وارِفَةً |
فَمَا عَلَيْنا بِها لِلدَّهْرِ سًلْطانُ
|
أَمْ سانِحُ الْوَهْمِ بِالأَحْلامِ مَثَّلَها |
مَنْضُورَةً فَهْيَ للأَحْلامِ بُسْتانُ
|
لاحَتْ كَلَمْحِ الأَماني في خَواطِرنا |
وَنَحْنُ مِنْ نَشْوَةِ الآَمالِ جُذْلانُ
|
أَمْ حُوِّلَ الْحَوْلُ فاهْتزَّتْ بِنا وَرَبَتْ |
أَيَّامُ "أَيْلولَ" نَبْتاً فَهْوَ "نَيْسانُ"
|
وَازَّيَّنَتْ بالرَّبيعِ الأَرْضُ فَهْوَ لَها |
وَشْيٌ وَحَلْيٌ وَأَصْباغٌ وَأَلْوانُ
|
بَلْ هذهِ "جِلَّقُ الفَيْحاءُ" ماثِلةٌ |
ماحاكَها مِنْ رُؤى الأَوْهامِ حِسْبانُ
|
كأَنَّ "حَيْفا" كَسَتْها مِنْ مَفاتِنِها |
ما ليْسَ يبْلُغُهُ بالوَصْفِ تِبْيانُ
|
وَمِنْ سَنى "كَرْمِلي" هذا الجَمالُ زَها |
فيها فَباتَتْ بهِ تَزهو وَتزْدانُ
|
"فالغُوطَةُ" البَحْرُ رَجّافاً بِلُجَّتِهِ |
لكِنَّ لُجَّتَهُ نَبْتٌ وَأغْصانُ
|
تَخوضُهُ لَمَحاتُ الفِكْرِ شارِدَةً |
وَفيهِ تَغْرَقُ أَحْلامٌ وَأَذْهانُ
|
فَلَوْ تَنَظَّرْتَها مِنْ "قاسِيونَ" ضُحىً |
وَمَرْجُها مُشْرِقُ الآفاقِ ضَحْيانُ
|
لَخِلْتَ ما ماسَ مَدَّ الطَّرْفِ مِنْ حَوَرٍ |
صاراتِ فُلْكٍ لَها الأنْسامُ رُبّانُ
|
وَخِلْتَ أَفْنانَها الأَمْواجُ في لُجَجٍ |
ما إِنْ لها مِنْ أَديمِ الأرْضِ شُطْآنُ
|
أَوْقُلْتَ: مِنْ نَسَماتِ "الكَرْمِلِ" انْطَلَقَتْ |
بَيْنَ الصَّنَوْبَرِ بالأَطْيابِ أَعْنانُ
|
طافَتْ بِهِ وَحواشي الأُفْقِ مُذْهَبَةٌ |
والصُّبْحُ مِنْ غَفْوَةِ الأحْلامِ يَقْظانُ
|
فَأَيْقَظَتْ كُلَّ شادٍ فَهْوَ لَحْنُ مُنىً |
وَرَنَّحَتْ كُلَّ غُصْنٍ فَهْوَ هَيْمانُ
|
وَ"رَبْوَةُ" الحُسْنِ، وَالأَحْلامُ مُغْفِيَةٌ |
في صَمْتِ أَظْلالِها، غَيْداءُ مِفْتانُ
|
أَلَقَتْ بِمِطْرَفِها عَنْ صَدْرِها فَبَدا |
عُرْيانَ والكَشْحُ كاسٍ وَهْوَ خَمْصانُ
|
نَسِيمُها نَغَمٌ أَصْغى الزَّمانُ لَهُ |
وَكُلّهُ لِفَريدِ اللَّحْنِ آذانُ
|
فَهامَ في غَمْرَةِ الآبادِ لَيْسَ لَهُ |
مِنْ غايَةٍ فَهْوَ عُمْرَ الدّهرِ نَشْوانُ
|
وَ"دُمَّرٌ" مَنْبَعُ الخَمْرِ الَّتي سَكِرَتْ |
مِنْها اللَّيالي فَهُنَّ الدَّهْرَ عِصْيانُ
|
قَدْ ضَمَّها "بَرَدَى" شَوْقاً وَأَرْشَفَها |
مِنْ صِرْفِهِ فَثَراها مِنْهُ رَيّانُ
|
جَرى لَها سَلْسَلاً يَسقي خَمائِلَها |
فَتَحْتَها مِنْهُ أَسياحٌ وَغُدْرانُ
|
مالَتْ عَلَيْها غُصونٌ ما هَفَتْ ظَمَأً |
إِلاّ انْثَنَتْ وَلَها في الرّيحِ أَلْحانُ
|
وَوارِفُ الجَوْزِ في أَرْجائِها عَبَقٌ |
وَباسِقُ "الحَوَرِ" الفينانِ مَيْسانُ
|
كَأَنَّ أَوْراقَهُ والرّيحُ تُرْعِشُها |
قُلوبُ حُبٍّ لَها بالخَفْقِ إِمْعانُ
|
تَغْدو عَلَيْها الصَّبا بالعِطْرِ ناعِمَةً |
وَغُصْنُها في مُهُودِ الصَّفْوِ وَسْنانُ
|
فَتَبْعَثُ الشَّوْقَ في أَوْصالِها لِهوىً |
لا يَسْتَقِرُّ بِهِ في الخَفْق وِجدانُ
|
يهُزُّها فَوْقَ أَدْواحٍ مُهَوِّمَةٍ |
لَفْحُ الجَوى وَهْيَ أَغْصانٌ وأفْنانُ
|
فَهَلْ رَأَيْتَ قُلوباً بالجَوى خَفَقَتْ |
وَمالَهُنَّ عَلى الأَيّامِ أَبْدانُ
|
والسِّحْرُ في "الهامَةِ" الغَنّاءِ مَوْئِلُهُ |
فَكُلُّها لِجَلالِ السِّحْرِ أَحْضانُ
|
الطَّيْرُ فَوْقَ الأَعالي مِنْ خَمائِلها |
قِيانُ شَدْوٍ لَها الأَدْواحُ عِيدانُ
|
وَالماءُ صَفْحَةُ تِبْرٍ بالسَّنى جُلِيَتْ |
كَأَنَّها مُصْحَفٌ والشّدْوُ قُرْآنُ
|
وَ "الوادِ" مُؤْتَزِرٌ إِسْتبْرَقاً نَضِراً |
وَشّاهُ في كَنَفِ الفِرْدَوْسِ "رِضْوانُ"
|
حَصْباؤُهُ مِنْ عُقودِ الغيدِ قَدْ فُرِطَتْ |
فَشاطِئاهُ يَواقِيتٌ وَمَرْجانُ
|
والكَوْثَرُ العّذْبُ نَضّاخٌ "بِفِيجَتِهِ" |
شَهْداً مَوارِدُهُ رَوْحٌ وَرَيْحانُ
|
وَسَفْحُهُ بِابْتِسامِ الوَرْدِ مُزْدَهرٌ |
وَدَوْحُهُ بالشَّذا الفَوّاحِ سَكْرانُ
|
وَلَيْسَ في رَهْوهِ المُخْضَرِّ مِنْ حَجَرٍ |
إِلاّ أَنَزَّ رَحِيقاً وَهْوَ صَفْوانُ
|
فيالَوادي لُجَيْنٍ فَوْقَ عَدْوَتِهِ |
زُمُرُّدٌ يَتهادى مِنْهُ عِقْيانُ
|
* * *
|
"دِمَشْقُ" يا صِنْوَ "حَيْفا" نَضْرَةً وَسَنىً |
فَفِيكُما باهِراتُ الحُسْنِ صِنْوانُ
|
هَلْ اقْتَبَسْتِ الرَّبيعَ الطَّلْقَ مؤُتَلِقاً |
مِنْ "كَرْمِلي" فَهْوَ فيهِ الدَّهْرَ مُزدانُ
|
بِحُلَّةٍ مِنْ نَضاراتٍ مُطَرَّزَةٍ |
لَمْ تُكْسَها في رِحابِ الأرْضِ أَوْطانُ
|
وَأَيْنَ مِنْ "كَرْمِلي" حُسْناً وَشاطِئِهِ |
"نَهْرُ الأُبُلَّةِ" لابَلْ أَيْنَ "بَوّانُ" |