يا حبيبي غيمة في خاطري |
وجفوني وعلى الأفق سحابهْ
|
غفر اللهُ لها ما صنعت |
كلما شاكيتها تندى كآبهْ
|
صرخ القفرُ لها منتحِباً |
وبكى مستعطفاً مما أصابهْ
|
فأصمّ الغيثُ عنهُ أذنَهُ |
ما على الأيام لو كان أجابهْ
|
كثر الهجرُ على القلب فهل |
من سلو أو بعاد يرتضيهِ
|
أنت فجرٌ من جمال وصبا |
كل فجر طالع ذكَّرنيهِ
|
كيف جانبتك أبغي سلوةً |
ثم ناجيتك في كل شبيهِ
|
أيها الساكن عيني ودمي |
أين في الدنيا مكان لست فيهِ
|
*** |
***
|
عندما أزمعَ ركب العمرِ |
رحلةً نحو المغاني الأخرِ
|
ظهرت تجلوك كفُّ القدرِ |
صورةً أروع ما في الصورِ
|
تتراءى في الشباب العطرِ |
نفحةً تحمل طيبَ السحرِ
|
وقف العمرُ لها معتذراً |
وثنى الركبُ عنانَ السفرِ
|
*** |
***
|
عندما أقفرتِ الدنيا جميعاً |
لحتَ لي تحمل عمراً وربيعا
|
إن يكن حلماً تولى مسرعاً |
أجمل الأحلام ما ولى سريعا
|
إن يكنْ ما كان دَيْناً يقتضيْ |
خلني أدفعه عنك دموعا
|
قد شريناه عزيزاً غالياً |
إن تكن بعتَ فإني لن أبيعا
|
*** |
***
|
يا ندامى الحب سُمار الهوى |
سكبوا لي السهدَ في ذاك الشراب
|
ارقوني أجرع السقم وبي |
صفرة الكأس وأوهام الحباب
|
كلما تقبل أيام المنى |
تنجلي النعماءُ عن ذاك السراب
|
وترى أياميَ الحيرى على |
عرسها الضاحك أحزان الضباب
|
*** |
***
|
لم أقيدك بشيء في الهوى |
أنت من حبي ومن وجدي طليقْ
|
الهوى الخالص قيد وحده |
رب حر وهو في قيد وثيقْ
|
مزّقت كفيك أشواكُ الهوى |
وأنا ضقت بأحجار الطريقْ
|
كم ظميٍ يرتوي |
وغريق مستعين بغريقْ
|
*** |
***
|
يا ليالي العمر ما سر الليالي |
البطيئات المملات الطوالِ
|
مسرعات مبطئات ولها |
خفة الموت وأثقال الجبالِ
|
كاسفات البال عرجاء المنى |
عاثرات الحظ شوهاء الظلالِ
|
عجباً للعمر يمضي مسرعاً |
للمنايا بسلحفاة الملال (؟!)
|
*** |
***
|
يا قمارى الروض في أيك الهوى |
جفّتِ الورضةُ من بعد النديمْ
|
حل بالأيك خريفٌ منكرٌ |
وظلال قاتماتٌ وغيومْ
|
ماتت الروضةُ إلا طائفاً |
من هوى حي على الذكرى يقومْ
|
فإذا أنكر ما حل بها |
فر يبغي سربَه بين النجومٍْ
|
شاهت الدنيا وجوهاً ورؤىً |
وتولاها سهومٌ ووجومْ
|
يا عذارى الحسن في ظل الصبا |
كل حسن بعد ليلاي دميمْ
|
يا نعيم العيش في ظل الرضا |
آه لو أعرف ما طعم النعيمْ
|
أنكر الجنةَ قلبٌ ضجرٌ |
أبدي النار موصول الجحيمْ
|
*** |
***
|
طالما موهتُ بالضحك فما |
غيَّر التمويهُ رأياً لك فيا
|
كلما تنظر في عيني ترى |
سريَ الغافي ومعناي الخفيا
|
وترى في عمق روحي زهرةً |
قد سقاها الحزنُ دمعاً أبديا
|
ويراه الناسُ طلا وترى |
أنت دمعاً غائماً في مقلتيا
|
*** |
***
|
يا فؤادي ما ترى هذا الغروبْ |
ما ترى فيه انهيار العمرِ؟
|
ما ترى فيه غريقاً ذا شحوبْ |
ينلاشى في خضم القدرِ؟
|
ما تراها اتأدتْ قبل المغيبْ |
ورمتْ من عرشها المنحدرِ
|
لفتةَ الحسرةِ للشط القريبْ |
قبل أن تسقط خلف النهرِ...
|
يا فؤادي قاتل اللهُ الضجرْ |
وعذابي بين حل وسفرْ
|
ما ترى قنطرةً من بعدها |
راحة ترجى وبال يستقرْ
|
ذلك الجرح وما أفدحه |
ما عليه لو إلى السلوى عبرْ
|
قد طواه اليوم في بردته |
وأتى الليلُ عليه فانفجرْ
|
*** |
***
|
مرَّ يومي فارغاً منك ومن |
أملِ اللقيا فما أتعسَ يومي
|
أنت يومي، وغدي أنت، وما |
من زمان مرّ بي لم تكُ همي!
|
آهِ كم أغدو صغيراً، حاجتي |
لكَ كالطفل إلى رحمةِ أمِّ
|
ولكم أكبر بالحب إلى أن |
أغتدي مستشرقاً آفاق نجمِ
|
أي سرٍّ فيك إني لست أدري |
كل ما فيك من الأسرار يغري
|
*** |
***
|
خطرٌ ينسابُ من مفتر ثغر |
فتنة تعصف من لفتة نحرِ
|
قدر ينسج من خصلة شعر |
زورق يسبحُ في موجةِ عطرِ
|
في عباب غامض التيار يجري |
واصلاً ما بين عينيك وعمري
|
*** |
***
|
ذات ليلٍ والدجى يغمرنا |
أترى تذكر إذ جزنا المدينةْ؟
|
كلما روعت من نار شجٍ |
حر ما يصلى تلمست جبينَهْ
|
بيدٍ شفافة مثل الندى الرطبِ |
تعيد النار بردا وسكينه
|
أيها الآسي لناري هذه |
ما الذي تصنع بالنار الدفينه؟
|
أخيالاً كان هذا كلُّهُ |
ذلك الجسر الذي كنا عليه؟
|
والمصابيح التي في جانبيه |
ذلك النيل وما في شاطئيه؟
|
وشعاع طوفت في مائه |
وظلالٌ رسبت في ضفتيه
|
وحبيب وادع في ساعدي |
ووعود نلتها من شفتيه؟
|
رب لحن قص في خاطرنا |
قصةَ الحادي الذي غنّى سهادَهْ
|
وكأن الصمت منه واحدةٌ |
هيأتْ من عشبِها الرطبِ وسادَهْ
|
ها أنا عدت إلى حيث التقينا |
في مكان رفرفت فيه السعادَهْ
|
وبه قد رفرف الصمتُ علينا |
إنَّ في صمت المحبين عبادَهْ
|
رفرف الصمتُ ولكن أقبلتْ |
من أقاصي السهلِ أصداءً بعيدَهْ
|
تتهادى في عبابٍ ساحرٍ |
مرسلٍ للشطِّ أمواجاً مديدَهْ
|
كم نداء خافت مبتعد |
تشتهي أذنُ الهوى أن تستعيدَهْ
|
عاد منساباً إلى أعماقها |
هامساً فيها بأصداءٍ جديدَهْ
|
*** |
***
|
رفرف الصمتُ ولكن ها هنا |
كل ما فيك من الحسنى يغني
|
آه كم من وتر نام على |
صدر عودٍ نومَ غاف مطمئنِ
|
وبه شتى لحون من أسى |
وحنينٍ وأنينٍ وتمني
|
رقد العاصفُ فيه وانطوتْ |
مهجةُ العودِ على صمتٍ مرنِ...
|
*** |
***
|
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها |
أين في الرضاء ظل من ظلالكْ
|
ربما تزخر بالحسن وما |
في الدمى مهما غلت سر جمالكْ
|
ربما تزخر بالنور وكم |
من ضياء وهو من غيرك حالكْ
|
لو جرت في خاطري أقصى المنى |
لتمنيتُ خيالاً من خيالك
|
*** |
***
|
أنا إن ضاقت بي الدنيا أفئْ |
لثوانٍ رحبةٍ قد وسعتنا
|
إنما الدنيا عبابٌ ضمنا |
وشطوطٌ من حظوظٍ فرقتنا
|
ولقد أطفو عليه قلقاً |
غارقاً في لحظة قد جمعتْنا
|
كلما تترى المعاني أجتلي |
خلف معناها لأسرارِك معنى
|
*** |
***
|
ما الذي صبك صباً في الفؤادْ |
ما الذي إن أقصِه عنيَ عادْ
|
طاغياً يعصفُ عصفاً بالرشادْ |
ظامئاً سيان قرِب وبعادْ
|
ساهر العينين موصول السهادْ |
ما الذي يجري لهيباً في الرمادْ
|
ما الذي يخلقنا من عدم |
ما الذي يجري حياةً في الجمادْ
|
*** |
***
|
كم حبيب بعدت صهباؤه |
وتبقت نفحةٌ من حببِهْ
|
في نسيجٍ خالدٍ رغم البلى |
عبث الدهرُ وما يعبث بِهْ
|
ما الذي في خصلة من شعرهِ |
ما الذي في خطه أو كُتبِهْ
|
ما الذي في اثرٍ خلَّفه |
من أفانين الهوى أو عجبِهْ
|
ما الذي في مجلس يألفه |
عقد الحبُّ عليه موعدَهْ
|
ربما يبكي أسى كرسيُّهُ |
إن نأى عنه وتبكي المائدَهْ
|
ربما نحسبها هشتْ إذا |
عائدٌ هش لها أو عائدَهْ
|
ربما نحسبها تسألنا |
حين نمضي أفراق لعدَهْ؟
|
*** |
***
|
كم أعدت لك ستراً في الخفاء |
وتوارت عن عيون الرقباء
|
كم أعدت نفسها وانتظرت |
واستوت موحشة تحت السماء؟
|
وهي لو تملك كفا صافحت |
كفَّك الحلوةَ في كل مساء
|
وهي لو تملك جوداً بذلت |
كل ما تملك كفٌّ من سخاء
|
*** |
***
|
رب كرم مده الليل لنا |
فتواثبنا له نبغي اقتطافَهْ
|
وعلى خيمته أسوده |
عربي الجود شرقي الضيافَهْ
|
وجد العرس على بهجته |
وسناه دون ورد فأضافَهْ
|
ثم وارت يدَه جنيةٌ |
وطوته بأساطير الخرافَهْ...
|
*** |
***
|
أرج يعبق في أنحائه |
حملته نحو عرشينا الرياحْ
|
كل عطر في ثناياه سرى |
كان سرّاً مضمراً فيه فباحْ
|
يا لها من حقبة كانت على |
قِصَرٍ فيها كآماد فساحْ
|
نتمنى كلما طابت لنا |
أن يظل الليل مجهول الصباحْ
|
*** |
***
|
يا فؤادي العمر سفرٌ وانطوى |
وتبقتْ صفحة قبل النوى
|
ما الذي يغريك بالدنيا سوى |
ذلك الوجه، وذياك الهوى |