من أنا ؟
(1899-1984) Henri Michaux
هنري ميشو شاعر ورسام من بلجيكا
بلجيكا
سيرة شخصية
(1899-1984) Henri Michaux
هنري ميشو شاعر ورسام من بلجيكا
ولد هنري ميشو في بلدة نامور في بلجيكا. وخصوصيته تنبع من حبه للأسرار والغموض. عرف كيف يبتعد عن الأضواء وعن الصحافة نأى عن المجد الأدبي عندما رفض نيل الجائزة الوطنية الكبرى للأدب عام 1965. وفضل أن يقرأه عدة مئات من القراء المهتمين -حسب قوله- على أن يقرأه الجمهور الواسع. ولهذا السبب لم تطبع أعماله في سلسلة كتب الجيب المعروفة بشعبيتها وانتشارها إلا بعد وفاته.
لم يكتب مذكراته ولا سيرته الذاتية، وملخص حياته كلها عبر عنه بستة صفحات حملها العنوان التالي. \"بعض المعلومات عن تسع وخمسين عاماً من الوجود\". ومما قاله عن طفولته في هذه الصفحات القليلة: \"كان يضرب عن الحياة، واللعب، والتسلية والتنوع، يكره الأكل، والروائح والتلامس نخاعه الشوكي لا يصنع الدم ودمه لا يعشق الأكسجين فقر الدم. أحلام بلا صور ولا كلمات، جامد، يحلم بالاستمرارية، بأبدية ليس فيها أي تغيير، طريقته في الحياة هي أن يعيش على الهامش، طبيعته المضربة تخيف وتزعج، لذلك كانوا يرسلونه إلى الريف\". كما كان يتحاشى الصور أيضاً لشعوره بأنها تختزل المرء وتسجنه في وضعية نهائية ليغدو مجرد صورة جاهزة.
بعد انتهائه من الدراسة سافر كبحار على ظهر سفينة وبدأ بكتابة نصوصه الأولى \"حالات من الجنون الدائري\" _1922). كتب جزءاً كبيراً من أعماله في النصف الأول من هذا القرن، ونذكر منها: إكوادور (1929)، بربري في آسيا (1933)، الليل يتحرك (1935)، ريشة (1938)، اختبارات وطرد أرواح شريرة (1945)، في مكان آخر (1948)..
عبر في مجمل أعماله عن صعوبة الوجوه وجاءت كتاباته الشعرية سريعة وإيقاعية وقادرة على التعبير عن أقل خلجة من خلجات النفس المتألمة. اهتم على وجه التحديد \"بالمساحة الداخلية للنفس\"، وتميز أسلوبه بالخيال وحب الحكاية والخرافة واعتاد أن يصوغ شعوره بالضيق على شكل حواريات ساخرة لكي يتمكن من القضاء على هذا النوع من المشاعر.
ازدادت نشاطاته وتزايد عدد قرائه في النصف الثاني من هذا القرن. نشر العديد من الكتب الجديدة، وزاد من نشاطه الفني كرسام وأقام معارض عدة. أراد أن يمضي إلى أبعد حد في معرفة واكتشاف النفس الداخلية وكان سبيله إلى ذلك تعاطي وتجربة أنواع مختلفة من المخدرات. ولكنه أصر دائماً على أن تتم هذه التجارب تحت إشراف طبي.
أراد بالدرجة الأولى أن يعرف نفسه وقال في ذلك: \"أكتب لكي أجوب مجاهل قارات نفسي، ولذلك أرسم، وأؤلف وأكتب. أتجول داخل نفسي. المغامرة هي أن تكون على قيد الحياة\". لقد كتب ميشو بسبب شعوره بالضيق بالدرجة الأولى وليس للتعبير عن موهبة أو ميول أدبية. لذلك فقد قضى معظم حياته باحثاً عن هواجسه وآلامه الداخلية في محاولة منه للسيطرة عليها. فجاءت أعماله على شكل سلسلة من التجارب والمحن وفي الوقت نفسه، سلسلة من المحاولات للتغلب على هذا الشقاء، بعبارة أخرى: لطرد الأرواح الشريرة فغدت الكتابة بالنسبة إليه \"الطريق المباشر من النفس إلى الأشياء\".
التقت تجربته الأدبية في أحيان كثيرة مع الحركة السريالية ولكن دون أن تمتزج بها. وقد نشر نصوصاً شعرية عديدة في مجلة القرص الأخضر التي كانت تنشر أيضاً أعمالاً سريالية. مارس هنري ميشو أنواع مختلفة من الكتابة، فجرب القصيدة، والشعر المنثور، والملاحظات والسرد والقصص والمسرحيات القصيرة والألبومات المصورة. كان هذا التنوع بالنسبة إليه وسيلة يحارب بها جموده وانغلاقه على نفسه واختار لغته عنيفة ومباشرة لا تسعى إلى التجميل ونيل الإعجاب، بل إلى تعرية النفس وإزالة الأقنعة في محاولة منه لإظهار ضعف الإنسان وهشاشته. للبحث عن الحقيقة وطرد الأرواح الشريرة.
غير أن رغبته اللامحدودة في الإبحار إلى أعماق نفسه والاقتراب من مشكلة الوجود، دفعت به كما أشرنا، إلى طريق المخدرات التي تركت أثرا واضحاً في كتابات ورسوم تلك الفترة من حياته ونذكر من هذه الأعمال: /الهائج اللامتناهي (1957)، المعرفة عن طريق الهاوية(1961)، تجارب العقل الكبرى (1966). وتميزت هذه الأعمال جميعها بعطش كبير إلى المعرفة، واتخذت أشكالاً مختلفة كالمقالة أو الريبورتاج أو السرد الذي يحلل ويدرس ردود الأفعال المتضاربة للنفس والجسد في أقصى حدودهما تحت تأثير المخدر.
تميزت فترة الخمسينيات بالنسبة لميشو بتغلب الرسم على الكتابة. لأنه شعر بأن الرسم يتيح له الانعتاق من نفسه إلى درجة كبيرة ولم يتعلم تقنيات الرسم مطلقاً، لذلك بقيت رسوماته عفوية ومفاجئة وهنا تكمن أهميتها. لقد رسم ميشو انتقاماً من الكتابة \"مع الرسم أشعر بأني شاب، والكتابة تشعرني بالشيخوخة\". فالكلمات في سعيها إلى المعرفة تجمد الأشياء وتصوغها في قوالب ثابتة، وهي فضلاً عن ذلك لا تريح من القلق. أما الرسم فهو بمثابة عملية تطهير للغة تستعيد بواسطتها حركاتها وصورها البدائية. وقد ساعده الرسم خاصة على التخلص من قيود اللغة والتعبير عن ألمه العميق عند وفاة زوجته متأثرة بحروق شديدة على أثر حادث تعرضت له.