• الأدب الاسلامي . إشكالية المصطلح والتعريف*

    على الرغم من النهضة الشاملة التي شهدتها حركة الادب الاسلامي في العصر الحديث فقد انتهى الينا مصطلح الادب الاسلامي محاطاً بهالة من الغموض والاضطراب وبقي هذا المصطلح من الناحية النقدية في حاجة ماسة الى الدراسة والاثراء والمناقشة والتعمق لمعالجته معالجة علمية وموضوعية دقيقة . ومن هنا فقد طرحت آراء متعددة حوله تراوحت بين القبول والرفض واقترح بعضها مصطلحات بديلة ، مثل (آداب الشعوب الاسلامية) او (الادب المسلم) أو(الاسلامية) أو(الواقعية الاسلامية) أو(المعيار الاسلامي) وغيرها . وقد ناقش بعض النقاد الاسلاميين هذه المصطلحات البديلة فرأوا أنها لاترقى الى مستوى الادراك التأملي العميق في خصوصية مصطلح (الأدب الاسلامي) ورواجه بين المسلمين وغيرهم ودقة دلالته وصدق تعبيره عن محتواه التصوري ، ذلك ان هذا المصطلح يمكن ان ينظر اليه من جهة أنه يستوعب كافة المنتوجات الادبية الاسلامية لكافة الشعوب المتسمة بصفة الاسلامية . وقد دفعت مسألة الآخر (غيرالاسلامي) اولئك النقاد إلى وضع دوائر متمايزة للأدب ، يتحدد من خلالها موقع الأدب الإسلامي ، فشخص بعضهم ثلاث دوائر أدبية في تحديد مفهوم الادب الإسلامي ،وهي : 1- دائرة الادب الملتزم بالتصور الإسلامي . ولا تقتصر هذه الدائرة على أدب الدعوة الإسلامية بل تتسع لتشمل أي موضوع يعالجه الاديب من خلال التصور الإسلامي للكون والانسان والحياة . 2- دائرة الادب المباح .وهو أدب لا يلتزم التصور الإسلامي ولكنه مع ذلك لا يخالفه وتتسع هذه الدائرة للادب الجمالي أو أدب التسلية والترويح عن النفس . 3- دائرة الادب الذي يخالف التصور الإسلامي ويضاده . وهو أدب العقائد والأيديولوجيات المنحرفة عن الإسلام أو أدب الجنس والعبث والحداثة المدمرة. وقد أصبحت الدائرة الثانية مثاراً لاختلاف النقاد في توسعة مصطلح الادب الإسلامي أو تضييقه، إذ تنازعه طرفان : الاول - يطلق هذا المصطلح على الادب الذي يدور في فلك تصور الإسلام للكون والحياة والانسان ويصدر من أديب مسلم . الثاني - يطلق هذا المصطلح على الادب الذي يلتقي مع تصور الإسلام للكون والحياة والانسان سواء صدر من أديب مسلم أو غير مسلم . وأقترح بعضهم مصطلح (الأدب الإنساني) أو (ادب الابعاد الضمنية) لانتاج اولئك الادباء من غير المسلمين ، ومن الواضح ان هذه المصطلحات وما يماثلها هي في حقيقتها محاولات توفيقية بين الطرفين المتنازعين في تضييق مصطلح الادب الإسلامي أو توسعته ، لكن رغم تلك المحاولات فقد استقر مصطلح الادب الإسلامي بمفهومه الاعتقادي الملتزم بمبدأ الإسلام ، بل أصبح راسخ القدم في أدبنا المعاصر وحقيقه ثابتة في واقعنا الادبي ، ولم يعد موقف التجاهل والاستنكار أو الجحود والانكار ، مقنعاً ولا مجدياً ، وقد أصبح الاهمال هو مصير الكتابات المتشنجة التي تعارض الادب الإسلامي . ولا يقتصر هذا المصطلح – بمفهومه الملتزم –على الادب الحديث بل هو ضارب بجذوره في اعماق التراث الاسلامي رغم عدم إطلاقه في فترات التاريخ المنصرمة ، فلا مجال لاعتراض بعض الحداثيين اليوم على مصطلح الادب الاسلامي وانكارهم له وادعائهم بأنه لم يكن لدى العرب هذا المصطلح قديماً ولذلك لم يكن هناك أدب اسلامي . نعم لم يكن هذا المصطلح ولاغيره ، ولكن كانت هناك خصائص مميزة وسمات دالة ، وكلها تنطق وتقول : هذا هو الادب الملتزم بالاسلام . ومن هنا فإن مصطلح الادب الاسلامي هو المصطلح الطبيعي والمنطقي لما افرزته القيم الاسلامية من ادب على مرّ العصور. بالاضافة الى ان الفلسفات الكبيرة كلها – بغض النظر عن صوابها أو خطئها – أفرزت آداباً سميت بأسمائها ، كالأدب الوجودي والادب الاشتراكي أو الماركسي أو الواقعي الاشتراكي والأدب العبثي وأدب اللامعقول ، وحتى الرومانسية والكلاسيكية والرمزية والطبيعية وغيرها ، كلها نبتت في ارضية فلسفية معينة ، فلا نرى لوناً من الوان الادب في اوربا مثلاً إلاّ وارتبط تنظيره بفيلسوف من الفلاسفة المحدثين أو القدامى واذا كانت العلاقة بين بعض المدارس الادبية والفلسفة التي تنتمي اليها علاقة تبدو أحياناً مخلخلة أو مفتعلة أو متناقضة أو غيرمقنعة ، فإن علاقة الادب الاسلامي بأبيه الشرعي الاسلام علاقة عضوية وثيقة لايمكن فصمها إلاّ في الفترات الشاذة العصيبة في عصور الجهل الايديولوجي والمحن السياسية والاستعمارية التي انتجت – على مر التاريخ – ادباً جاهلياً يعبر عن (الجاهلية) التي هي حالة تصحب مسيرة الحياة الانسانية حينما تبتعد عن منهج الخالق الباريء المصور وتتبنى مفاهيم وضعية بشرية. ومثلما تكون الجاهلية (حالة) وليست مرحلة تاريخية محددة كما هو معروف ، كذلك فالأدب الجاهلي لايخصّ ادب مرحلة معينة من التاريخ بل يرافق كل مرحلة تكون الجاهلية سائدة فيها ، فهو حالة قد تكون معبرة عن أدب ما قبل الاسلام أو ادب العصر الحديث في أوربا أو في العالم الاسلامي المتأثر بالمفاهيم الاوربية . وإن مصطلح الادب الاسلامي – بمفهومه الملتزم – يقف قبالة هذا الادب الجاهلي معبراً عن (الاسلامية) التي هي حالة لمسيرة الحياة الانسانية على منهج الخالق سبحانه وتعالى بالتزام مفاهيم الاسلام الالهية ، وليست هي مرحلة تاريخية محددة بعد صدر الاسلام أو غيره من العصور بل هي ممتدة في حياة البشر منذ ظهور الاسلام وحتى وقتنا الحاضر ، وبناء على هذا يكون الادب الاسلامي حالة ايضاً تعبر عن التزام الاسلام واتخاذه منهجاً في الادب ابداعاً ونقداً وهذا هو المفهوم الذي استقر عليه مصطلح الادب الاسلامي في معظم الدراسات النظرية والنقدية التي قدمها النقاد والادباء الاسلاميون في العصر الحديث ، فهو يمثل نظرية في الادب ومذهباً في الابداع الادبي ، أما اولئك الذين يصّرون على رفض هذا المصطلح وحصره في سجن فترة من التاريخ السحيق ، فإنهم في الحقيقة يخدمون اهدافاً ومصالح بعيدة عن الاسلام وقد جاءت معظم دراساتهم النقدية والتاريخية للأدب تحمل رؤية ناقصة ومشوشة إن لم نقل محرفة رغم ادعاء بعضهم بالانتساب الى الاسلام أو اتخاذه صبغة لتلك البحوث والدراسات . أما فيما يخص تعريف الأدب الاسلامي فقد قدم الباحثون والنقاد الاسلاميون تعريفات متعددة انطوت على ركنين أساسيين ، أولهما : التعبير الجمالي المؤثر بالكلمة . وثانيهما : التصور الإسلامي للوجود . ومن خلال هذين الركنين تُتخذ شخصية الاديب المسلم وعمق ايمانه بمبدأ الاسلام , اساساً في انتاج الادب الاسلامي ، وهذا مايجعل الالتزام شرطاً في الحكم على إسلامية الأدب ، فلا يدخل فيه ما ينتجه الادباء غير الاسلاميين من ادب يختلط ببعض تصورات الاسلام او يلتقي معها في جهة من الجهات ، إذ يبقى مثل هذا الادب بعيداً عن حقيقة الادب الاسلامي ، وهذا ما أكـده اغلب النقّاد الاسلاميين ، اذ يلعب الارتباط الوثيق بين نفس الأديب المسلم وابداعه الأدبي ، دوراً مهماً في استقلال الأدب الاسلامي وتحديد مقوماته الذاتية وعدم انسياقه في تيار التقليد والتبعية الذي جرف معظم نتاجات الادباء العرب في العصر الحديث رغم انتمائهم الظاهري ـ بحسب هوياتهم الرسمية - الى دين الاسلام . فراحوا يخوضون في ادب الجنس والعنف والعبث واللامعقول وغيرها من مذاهب الادب وتياراته الباطلة، ولذلك لا يستطيع الناقد المنصف أن يصف أحد هؤلاء الادباء بأنه أديب إسلامي او حتى مسلم فالأديب المسلم هو من التزم بتعاليم دينه وعبّر في ادبه من خلال ايمانه العميق وصدر فيما يقول عن نفس مشبعة بروح الاسلام وحقيقته الابدية الخالدة ، والاديب المسلم عليه – بجانب هذا – تبعات ومسؤوليات جسام تكون حلقة في عنقه حتى يؤديها بأمانةٍ وصدقٍ واخلاص وتجرد لعل في مقدمتها أن يجعل ادبه ادب بناء لا ادب هدم وينبوع خير لا شر ، ورسالة اصلاح لا تخريب وأن يكون له اثر في الحياة بعد مماته مما يحمده عليه الاسلام . * هذا المقال ملخّص بحث للكاتب منشور في (مجلة مركزدراسات الكوفة) المحكّمة . تصدر عن مركز دراسات الكوفة – جامعة الكوفة،العدد (23) السنةالسادسة 2011م .

    الكاتب: عبد الكريم المحمود

    0المفضلة

    299 المشاهدات

    0 تعليقات

    المفضلة إبلاغ

التعليقات (0)

المزيد من عبد الكريم المحمود

عرض جميع الأعمال

مواضيع ذات صلة

  • الأدب الاسلامي . إشكالية المصطلح والتعريف*