• المغني الأعـمى

    أين أنتَ ، أيـّها الفتى! الـذي يوقـِظـني دوماً في ساعة الصّبـاح ، أين أنتَ ، أيّها الضِّـياء! القلـبُ صـاحٍ ، ولكنَّ اللـيلَ يُطـوِّقـُني ويُـقـيِّـدُني في سحـر مُـقـدَّس على الدوام . . وطالما أصغيتُ إلى الفجر باشـتياق ، وطالما انتـظرتُـكَ بلهـفةٍ على التّـلِّ ، ولكنْ ليس دون طائـلٍ! لمْ تخـدعْـني قطّ ُ، يا رفيـقي، رُسُـلُـكَ، ونسائـمُـكَ، وكنتَ تأتي دومـاً. . أتيتَ مُـبهِجـاً المَـسالـكَ الطبيعيةَ كلَّـها بجـمالِكَ، أينّ أنتَ، أيّها الضِّـياءُ! القلبُ صاح ٍمرةً أخرى ، ولكنَّ اللـيلَ الذي لا ينتهي أبداً يُطـوِّقُـنـي ويَهـصِرنـي دومـاً. . وطالما اخضَوضَرتِِ العرائـشُ لي ؛ وتـألّـقتْ الأزهارُ لي ؛ كما تومضُ عينـايَ ، وليست بعيدةً عني كانت سـيماءُ أحبّـائي ، أضاءتْ لي وفَـوْقـي. . وعندما كنتُ صبيّـاً ، رأيتُ أجنحةَ السّماء مُـتَجـوّلـةً حـول الغـابـات. والآن ، أجلـسُ هـنا وحـيداً خاشـعاً ، من ساعة لأخرى ولمتعةٍ خاصّة بها تصوغ مُخيّـلـتي أشكالاً من لـذّة الأيّـام الرائـعة وعنائـها ، وبعيداً أ ُرهِـفُ السَّـمعَ ، فَـربّمـا لا يأتـي إليَّ مُـنقِـذ عَطـوف. . ثمَّ إنّي أسمع صوتَ الرَّعـد غالـباً في الظّـهـر ، عندما يأتي القاسي مقـترباً ، عندما يهتـزّ بيتُـه ، ويُـقَـعْـقِـعُ تحته أسـاسُـه ، والجبلُ يُـردّد الصَّـدى. . ثمَّ إنّي أسـمع المُـنقِـذَ في الليل ، إني أسمع قاتـلاً له ، المُحـرِّرَ ، باعـثاً فيه الحـياةَ ، أسمع الرّاعـدَ من الغرب إلى الشرق مُسـرِعاً ، وأنتِ تتـرنَّـمينَ من بَـعـدِه . وراءه ، يا أوتاري! إنَّ أ ُغـنـيـتي تعـيش معه ، وكما يَـتـبع النبعُ المُـتَـفجِّـرُ التيّـارَ ، أيـنما يفـكِّـرُ ، كذلك يجب عليَّ المُضِـيّ ُ قُـدُماً واتِّبـاعُ ما هو مُـؤَكَّـد ٌفي المتاهـات . . إلى أين ؟ إلى أين ؟ إنني أسـمعك هنا وهناك ، أيّها الـرائـعُ! وكلّ ما يُحـيط بالأرض يترنّـم . أين تنتهـي ؟ وماذا ، وما الذي يتّجسَّـدُ فوق السّـُحُـب ، أوه وماذا عنّـي ؟ . يا يومُ! يا يومُ! أنت الذي فوق الغـيوم المُتَرنِّـحة! أنت الذي أرحِّب به! إنَّ عينـي تُـزهـرُ لك . آه! يا ضياءَ الشبابِ! آه أيتها السعادة! القديم مرةً أخرى! ولكـنَّـك أكـثـرَ روحانيةً تـنحدر إلى أسفلَ . . أنتَ أيّها النَّـبعُ الذَّهـبيّ ُ من الكأس المُـقَـدَّسةِ! وأنتِ ، أيتها الأرضُ الخضراء ، مَهـدَ السَّلام ، وأنتَ ، يا بيتَ آبـائي! وأنتم يا أحبّـائي! الذين لَـقـوني ذاتَ مرّة ٍ، آه اقـتَـرِبـوا! . آه تعالـوا ، أنـتم ، أنـتم الذين يُـْسعَـدُ بهم ، أنتم جميـعاً ، الـذين يبـاركـكُم الرّائـي! آه خُـذوا ما أعـاني ، خُـذوا منّي هذه الحـياةَ ، الإلهـيَّـةَ مـن قلـبي * ترجمة : د. بهجت عباس

    الكاتب: فريدريش هولدرلين / Friedrich Hölderlin

    0المفضلة

    8 المشاهدات

    0 تعليقات

    المفضلة إبلاغ
التعليقات معطلة من قبل المؤلف أو الإدارة

التعليقات (0)

المزيد من فريدريش هولدرلين / Friedrich Hölderlin

عرض جميع الأعمال

مواضيع ذات صلة

  • المغني الأعـمى

    المزيد من فريدريش هولدرلين / Friedrich Hölderlin

    عرض جميع الأعمال

    مواضيع ذات صلة