مراجعة كتاب " سيكولوجية الجماهير"
Sep 12, 2022 03:19 AM Sep 12, 2022 03:19 AM
عند مشاهدتي للأفلام وأنا في بدايات مراهقتي، كان أشد ما يبهرني هو قفز النجم على الجمهور، فيحملونه على كفوفهم وينقلونه، كما لو أنه يتحرك فوق موج من البحر، كيف اتفقوا على أن يحمل كلاً منهم نصيبه من وزن الشخص فوق كفيه؟ كيف استطاعوا مجاراة بعضهم؟ كيف انتشرت العدوى بينهم؟ في كل مرة أنظر إلى جماعة ما تتبنى فكراً معيناً، أتعجب من اتفاق كل هؤلاء البشر على فكرة واحدة، واجتماعهم على قلب رجل واحد، حتى أنهم قد تهون الحياة على بعضهم في سبيل فكرته التي تبناها مع الجماعة، وقد يدفع بنفسه نحو النيران منفردًا في سبيل الجماعة، لكنني وبعد الكثير من الأسئلة، قرأت "سيكولوجية الجماهير" أجابني غوستاف لوبون خلال صفحاته. من هو غوستاف لوبون : غوستاف لوبون هو طبيب فرنسي، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، اهتم بدراسة الآثار والطب النفسي والثقافة الشعبية والأنثروبولوجيا وكتب فيها جميعاً ما بين كتب ورسائل علمية أصبحت مراجعاً مهمة. توفي غوستاف لوبون في الثالث عشر من ديسمبر عام ١٩٣١ يبدأ الكاتب بالتمهيد لنا أن لكل شعب مجموعة من الأفكار والمعتقدات يتوارثها جيلاً بعد آخر، وأن الجماعات التي تنشأ من الشعب الواحد تتأثر بهذه الأفكار. الفصل الأول : يبدأ غوستاف لوبون كتابه بتعريف "الجماعة" في علم النفس، وهي ليست فقط مجموعة من الناس مجتمعين في مكان واحد، وإنما مجموعة من الأفراد بلغوا من التماهي حد التخلص من ذات الفرد الشاعرة والوصول إلى فكرة شعورية وهدف واحد، فـ الفرد في الجماعة يشبه الخلية في الجسد، على اختلافاتهم لكنهم يرمون لهدف واحد على حد تعبيره، ويصبح الفرد كالمنوَّم مغناطيسياً داخل الجماعة، بغض النظر عن مستوى ثقافته أو علمه، فإنه متى أمضى وقتاً طويلاً تحت جناحها صار جزء منها "أشبه بحبه من الرمال تثيرها الرياح ماهبت." الفصل الثاني: يحدثنا فيه عن مشاعر الجماعة، كيف أنها تطغى على منطق الفرد، وعلى إدراكه للواقع، فترى أن القصة التي ترويها الجماعة ويؤكدها أكثر من فرد لا تعدو أن تكون قصة من وحي الخيال، لكن تكرار الجماعة يرسخ أنهم شهدوها ورأوا أحداثها رؤيا العين. الفصل الثالث: يفرد غوستاف لوبون أفكار الجماعات، كيف تتشكل الفكرة وبم تتأثر، وكيف تترسخ الأفكار حتى لو كانت غير منطقية خالية من أي مظهر من مظاهر العقل والتعقل، فقط تعصب للفكرة يمنع المساس بها أو التفكر فيها، وهذا بالتحديد ما تستند عليه خطابات تلك الجماعات تجاه أفرادها، تلميع الفكرة والضغط على وتر التعصب. الفصل الرابع: في هذا الفصل يرى غوستاف لوبون أنه لابد للجماعة من تعصب ديني، ولا يعني بذلك اعتناقها لدين محدد، إنما قصد بحديثه التعصب عموماً لفكرة وجعلها فوق الانتقاد البشري بأي صورة من الصور. ثم ينتقل غوستاف لوبون للجزء الثاني من كتابة، ليشرح العوامل المؤثرة على وجدان الجماعة، بداية من الشعب الذي نشأت فيه والتقاليد، والزمان الذي شهد ولادتها، والنظامات السياسية والاجتماعية التي نشأت تحتها. كانت تلك العوامل البعيدة المؤثرة على الجماعات، بينما العوامل القريبة تتمثل في والصور والألفاظ والجمل، فيقول غوستاف لوبون عنها "ولو جمعت عظام من ذهبوا ضحية الألفاظ والجمل لأمكن أن يقام منها هرم أرفع من هرم خيوبس القديم" والأوهام التي هي عم الجماعة جنباً إلى جنب مع غياب عقل الفرد في الجماعة. وبطبيعة الحال فلكل مجموعة من الكائنات بشراً كانت أو حيواناً، فإنها تميل لاتخاذ قائد لها، لذا تطرق غوستاف لوبون للقادة، تحدث عنهم وعن تأثيرهم في الجماعات، وعن نفوذهم، إما كان سلطة مادية كالجاه والمال، أو معنوية كالتأثير في القلوب والعقول. واللافت للنظر أنه استعان برسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام في شرح القائد المؤثر بلا ملك ملك وجاه، وكيف اكتسب نفوذه بحب أتباعه له إلى هذه اللحظة. ثم يتطرق لأفكار الجماعات ومعتقداتها، ما بين ثابت لا يتأثر بتغير الأجيال ويمثل مرجعية الجماعة، وبين مؤقت يتغير من جيل إلى جيل كالتراب يمسح من فوق الأسطح كل فترة. ثم ينهي غوستاف لوبون كتابه الرائع بأنواع الجماعات، ما بين جماعات مختلفة العناصر وجماعات مؤتلفة، وتحت كل فئة تنبثق فئات أصغر، فمثلا يقع تحت الجماعات المؤتلفة، الطوائف الدينية والعسكرية والطبقات وهكذا. كانت هذه رحلتي الأولى مع غوستاف لوبون، لأول مرة اقرأ وأتفاعل مع كتاب هكذا حتى امتلأت هوامشه كلها بالتعليقات والجمل، شعرت أن شخصاً ودوداً يشرح لي ببساطة "ماهي الجماعة".
الكاتب: سـارة
3المفضلة
162 المشاهدات
1 تعليقات