"الوسطاء يمتنعون"
May 28, 2023 10:55 AM May 28, 2023 10:55 AM
بدون وسيط، الوسطاء يمتنعون، من المالك مباشرة وهكذا تزخر الإعلانات بهذه الجملة ومرادفاتها. فلماذا إذن؟ وإن بحثا واحدا على محرك البحث سيظهر لك عددا مروعا لعروض الاعلانات والصفحات التي تتبنى توجه نفي الوسيط واستبعاده من المعاملات باختلاف أنواعها فلماذا إذن؟ إن الظواهر الشعبية والتوجهات الجماهيرية جديرة بالاهتمام والتقدير والاحترام ذلك أن أحد أهم مدخلات الجودة التي تُبنى عليها مخرجاتها هي صوت العميل. وكل من يريد النجاح والاستمرار عليه أن يعي ذلك جيدا ويتناوله بالتفكير والتحليل ليعلم توجه الناس ويصحح مساره في الوقت المناسب وقبل السقوط الكبير. ونعود إذن إلى السؤال لعلنا نفهم الدوافع ونجيب عليه رغبة في تصحيح المسار وخلق فرص أكثر أناقة ورشاقة من الموروث العتيق للتسويق الذي آذنت شمسه بالأفول ورماه أرباب الجهالة والسفالة من المتطفلين والأدعياء في مقتل. لماذا يحاول الكثيرون التخلص من الوسيط، وهل للوسيط قيمة في المعاملات التجارية أم لا؟ وهل يمكن الاستغناء عنها أو يجب أم لا؟ ومتى يكون ذلك ضروريا ومتى يكون خطأً؟ وهل يستحق الوسيط جزءا من المال مقابل ذلك أم لا؟ وما هو المقدار المناسب لذلك؟ وللجواب على هذا السؤال يجب أن نعرف الدور الذي يؤديه الوسيط، أو يجب أن يؤديه بالأحرى. ويمكن تلخيص ذلك الدور في عرض الصفقات المناسبة وتقديم المعلومات عنها ثم المساعدة في اختيار الأنسب أوالبديل عند الحاجة ومن ثم التأكد من عدم وجود مخاطر قانونية وتوضيح المخاطر الاقتصادية ثم تقديم معلومات صحيحة عن العائد المتوقع دون مبالغةٍ ولا تزييف، وبعدها اتمام عملية التنفيذ مع المساعدة في تقدير السعر المناسب للسوق وايجاد تسهيلات في السداد ولا نغفل خدمات ما بعد البيع ان احتاجها العميل. هكذا باختصار تكون معالم الوساطة وهنا يمكن لك ان تعي أنها ليست وساطة او سمسرة بالمعنى العتيق بل هي عملية استشارة مركبة قانونية واقتصادية وربما جيوسياسية أيضا لا تصدر إلا عن خبرة وعلمٍ هما عماد عملية البيع والشراء أو التجارة الرابحة. ولهذا تكون ممارسة هذه المهنة في كثير من الدول مقننة ولا يمارسها إلا متخصص أو متدرب حصل على شهادة في هذا المجال تعطيه ترخيصا للعمل ووفق عقود مبرمة وملزمة قانونيا للطرفين تراقبها الدولة وتشرف عليها. وبذلك تكون الأتعاب مستحقة والغرر يحاسب عليه القانون. وليس الحال كذلك في دول أخرى حين يقتصر دور الوسيط على الاعلان واقتناص العميل واغرائه باتمام الصفقة ليحصل على نصيبه من الصيد الثمين؛ فهو يسول له ويملي له حتى يصدق أنه يدله على شجرة الخلد و ملك لا يبلى. وهو بذلك شريكٌ في عملية احتيالٍ لا يستحق عليها الثواب بل العقاب والأغلال لا المال. أما إن كان من المخلصين الصالحين -وقليل ما هم- فليقيم عمله وما قدمه ويؤجر عليه على قدر اجتهاده وما قدم من فائدة دون مبالغة مزرية ولا غبن فج. وأما إن كان من الطامعين الانتهازيين فأولى للطامعين ثم أولى للطامعين، وويلٌ للمغفلين. وإذا عدنا إلى ما بدأنا به وجدنا حربا تستعر بين المشتريين والوسطاء والبائعين قوامها الطمع والجشع لا أقول من الوسيط فحسب بل ربما من الجميع تارة من البائع وتارة من المشتري وطورا من الوسيط. حربا يذكي أوارها الخروج على القانون أو التحايل عليه وهدمه بما قد لا يناسب أو يتفق مع رؤية الجميع أو الأغلبية ويفتح الباب على مصراعيه لاستغلاله والتغول تحت مظلته حين يتحصل الوسيط على نسبة لا تتناسب أبدًا مع مجهوده وعمله ونفقته من وجهة نظر العملاء. فبينما يحدد القانون الوساطة بين اثنين واثنين ونصف في المائة ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك( في جمهورية مصر العربية) لا تجد عقدا مبرما ينص على هذه القيمة وتجد كثيرا من الشركات تعطي ضعف أو ضعفي هذه القيمة وتعيد تحصيلها مرات ومرات في كل عملية بيع حتى لو تعثر المشتري واضطر أن يبيع ودون النظر لقيمة الصفقة الاجمالية وإطلاق النسبة إطلاقا يصل بقيمة العمولة إلى مئات الألوف وهو ما قد يعادل راتب موظف عدة سنوات وتغرب سنة أو سنتين ، ويشعر المشتري بأنه تم استغلاله، أمر يستحق التفكير واعادة التقدير، لا سيما والعقود الآجلة تفرض نفسها على الواقع وتتحمل نسبة التضخم على مدار عشر سنوات تقريبا، وليس من المعقول ولا المقبول أن يحصل الوسيط على نسبته من اجمالي المبلغ الا أن يتقاضاها هو أيضا نسبةً من كل قسطٍ يتم سداده. ومع التوسع في التجارة الالكترونية وسهولة التواصل والوصول للمعلومات، يتعين على الوسطاء أو شركات التسويق إعادة النظر في عملية التسويق برمتها، والتفكير في وسائل وآليات حماية الصناعة نفسها من الفساد والكساد وأول وأولى ما يجب أن تستمع إليه صوت العملاء. …وللحديث بقية
الكاتب: خالد مطير
0المفضلة
160 المشاهدات
0 تعليقات