• أنا وقلبي، قلبي والقلم، قلمي والألـــم

    عادة ما ابدأ كتابتي بتساؤلٍ أو رسالة، أما في هذهِ اللحظة، تبدو الكتابة صعبة نوعًا ما، وكأنها قررت دونَ سابق إنذار أنْ تشُّن حربًا ضِدّي، أين ذهبت كل تِلكَ الكلمات المتربعة على طرف فاهي؟ على كُل حال، أنوي أن أكتُب وأضع نقطة النهاية لأنايَّ المزدحمة بالشك. لم أعتدّ هذا الأسلوب في كتاباتي السابِقة؛ إذ دائمًا ما تكون شاعرية نوعًا ما، ملغمة، تنبعثُ منها هالة سوداء اللون، ولكن حين يتمحور الحديثُ عني، أفقد أسلوبي ومهارتي في الكتابة، وتخسر سطوري بريقُها وتفقد هالتي لونها المعتم، وكأنني لم أمسك قلمًا قط! بودي أن تكون هذهِ الكتابة عني أنا، وبهذا أقصد: أنا وقلبي، قلبي والقلم، قلمي والألم. إنني بهذه الكتابة أؤرخ حياتي، بالرغم من يقيني بأن لا شيء يستحق التأريخ، فإني سأكتُب لأبقى معي، لأتعرف وأعترف، لأُحاسب ذاتي وأُعدِدُ خطاياي وفضائلي، سأسامِرُ نفسي حتّى أشعر بالشبع مني. إنني بسيطة، بسهولة الجمعِ والطرح، وبتعقيدِ الفيزياء، فإني أكتُبُ وأعطي، أسعى وأمتزج بكل شيء ليس مني ولا يشبهني.. أقسو وأُذنِبُ وأتوب.. أُحبُ وأكره وأحقد، والغفران لا يطرق بابي دهرًا كامِلا.. أتساءل إلٰهي.. لِمَ جعلتني بهذه الكثرة؟ بهذا الضيق؟ إنني أتقلبُ على سريري بقلق بينما أتحسس الوجه الأخير للراحة، أعرِف هذه الملامح جيدًا.. واضحة وضوحًا أعجزُ عن تجاهله، ملامح تجبرني على تأملها والبكاء عليها قبل أن تتحول لوجهٍ دمويٍّ لا يندثِر من ذاكرتي.. في ليلة كهذه، لا شيء فييّ يسكنُ محله، قلبي وعقلي، وكل مساحة في جسدي حتّى السنتيمتر الأخير يُحتّلُ من قِبلِ القلق.. قلقي شرِس وموحِش ذو أطباعٍ إسرائيلية، يحتلّني ولا يغادرني حتى يستنزفني.. في حياتي كلها لم أنتمِ.. ولا حتى إلى نفسي، كنتُ أتخبطُ بين الطرقات، أتوسطُ المارّة ولا يراني أحد فيبدو الأمر وكأنني مخفية، لم يحفظ ملامح وجهي الرماديّ أحدٌ سِوى أرصفة الشوارع وبائع الخبز في نهاية الطريق.. في حياتي كلها لم يُنطقُ اِسمي، أو على الأقل لم يكن صداهُ كما وددتْ، كانَ خاليًا مِني، بلا معنى، بلا ذات تصاحبه، فأشعرُ أنّي جردتهُ مِنْ معناه وأفقدتهُ جماليته.. يترددُّ على مسامعي فأستجيبُ له بانزعاج، أوَيحقُ لي أن أستجيب؟! الساعةُ الآن تقارب الواحدة ظهرًا.. دائمًا ما ظننتُ أنني ابنةُ الليل.. رفيقةُ القمر، حتّى وجدتني أتلحف أوراقي تحت نور الشمس، أمسِكُ قلمي بقوةٍ وكأنني أخشى أن يتبخر حبري، وتضيعُ حروفي، فأفقد قدرتي على الكتابة بعد أن استعدتها بعد عناء.. أفكارٌ عبثيّة تزور عقلي، تطوِّقُ رأسي بتاجٍ من شوك.. أتأملُ يدايّ وهي تخطُ هذه الأفكار، فأُدرِكُ بأن هذهِ الأنامل لم تُتقِن سوى الكتابة والإفلات، يمرُ الوقت دون أن أشعر بِهِ.. كم لي أكابِدُ دوامة الأفكار هذهِ؟ الصبر— أتقنته حتى ما عدت أعرف كيف لا أصبِرُ واصطبر.. كل شيء في حياتي صبِرت لأجلِهِ، أنا والصبر لا ننتهي.. ينتهي العالم وصبري ما زال هناك.. يتخبى خلف الأشياء.. وراء الأحلام، بين الطرقات.. لا ينفذ لو نفذ العالم وأندثر بما فيه. أنا يا سيّدي أكذوبة.. أبيعُ القصائد والأدب بجوار بائع الخبز في نهاية الشارع.. أنا بائسة تعِسة أسيرُ بلا هوادة، أضعُ الحروف في أكياسٍ بلاستيكية، وأجمعُ الوجع في جيبِ قلبي، أمضغُ الندم في طريق المنزِل، إنني أتلذذ بِكُلِ هذا يا سيّدي! إنني أتخبط في الزيف بكامل إرادتي.. لستُ مُجبرة، إنما طغى عليّ الجُبنُ والضعف، ولأنني سئمتُ واكتفيتُ من المحاولة، بسطتُ يداي واستسلمت.. زيّفتُ حقيقتي -التي أجهلها- وتنكرتُ على هيئة لا تشبهني.. فبتُّ أجهلني، لا أعرفني، لا أحد يعرفني، حتّى نصي هذا يبدو وكأنه ليس لي، حروفُ من تِلكَ التي تتوسطُ صفحاتي؟ أفكار من؟ حياة من تلك التي أعيشها؟ اخبرني يا سيدي وإلا فلا تلمني! ٢:٤٥ صَ إنني أكتب على مدار يومين.. لا يهمني ترتيب نصي لكثرة ما يهمني بأنه يعني شيئًا حقيقيًا لي، لأن يكون نصًا ملموسًا.

    الكاتب: ميثـا

    1المفضلة

    46 المشاهدات

    0 تعليقات

    المفضلة إبلاغ

التعليقات (0)

المزيد من ميثـا

عرض جميع الأعمال

مواضيع ذات صلة

  • أنا وقلبي، قلبي والقلم، قلمي والألـــم

    المزيد من ميثـا

    عرض جميع الأعمال

    مواضيع ذات صلة