• طفقتُ ألملم الفراغ!

    تعلمتُ النداءَ لمّا عرفتُ أن الأشياء ترتدي أقنعةً لتبقى، وعرفت حينها أن بكاء عيني لا يكفي فتعلمتُ الكتابة، آمر عينيّ أن ترى للمرّة الأولى، ولا ترى قليلٌ حتى يأن خيطُ الذاكرةِ، ويتداعى حُبلى كلماتي بالعالمِ، وتشكلاتهِ النامية، في جسدي تنهض الأشجارُ ليحين انتهاؤها … طفقتُ ألمم الفراغَ، لا من الوجع، ولا من الذكريات… برزخٌ يجزُ زمنّي وامنياته، لأعودّ الشيخ الذي يتداعى لفنائهِ؛ للماضي الذي لا يعود. جئتُ وقد نَسيتْ القريةُ دميّ من أي الجهاتِ تدفقَ، دمي مشربٌ بموجةٍ علوية تدكُ ذاكرة المكان، تمحو اسئلة الطفل الصغير! قددتُ من صدري كوكبين؛ كوكبٌ للحُب، كوكبُ لما أكتبُ ؛ قلبيّ تاريخٌ ومرساتهُ الوجوه الجارية في دمي أمد يديّ لتقطف وجهي من معرضِ الصور؛ لا أريدُ لنهر مشاعري الذبولَ ولا الجفاف؛ غير أنّي أحنُ إلى الرملِ الذي أغمسُ في لجة انسكاباتي… بالكاد أنحني لألتقط ممحاةً، جسدي جذعُ الأمنياتِ الراحلات، أمحو اسمي قليلاً ليبقى جسدي كثيرًا؛ ثمنُ الخلودِ أن أنسى قلتُ ويدي في اشتغالِ وكتابة، تأتي القصيدةُ كهيئة حلم، وتغاريد طيور لطيفة؛ وسرعان ما تغيب بعيدًا في السماء ، ويحلّ صمتٌ يعقد حاجبي المكان، وتهربُ فيه الرسوم من اللوحات، ويتخذ الأثاث أقدامًا ليواكب الهروب الكبير، ولا يبقى سوى كلمةٌ واحد هي: حُبّ، تحركني من دهشتي، وتكسرَ جمودي ألملم ما تبقى من الفراغ، حتى لا يبتلعَ من أراد الهروب؛ متخففًا من جسدي وثباتي، متداعيًا كفرع شجرةٍ تتراقصُ مع الريح وإن كسرتها أتذكرُ لكن صدري لم يعد يشعرُ، ولم أعد أعرفُ أهذهِ ذاكرتي، أم ذاكرةٌ أخرى تسللت إليّ ، يسكنني وجعٌ قد نمى وتدلى، وأصبح مِني اللغةَ والوجود، أطرقُ باب قلبي فتفتح لي أبوابُ المتاهةِ؛ لا للوصول ولا للضياع همتتُ أن أُحرقَ القصص الذابلة؛ فلا يبقى مِني إلا رمادٌ يسافر في الحقولِ، ويهبها مِن صمتيّ الشِعرَ والألوان… يديّ قلبانِ وبينهما فجوةُ الليل والنهار، وسكون الليل وإشراق الحركة الصباح … يديّ أقلامٌ، وشِعرٌ، وذاكرة ؛ وعذابات مطولة وأمنيات يديّ فمٌ نطّاقٌ، وأحجية، وكلماتٌ تسحب المعنى في سركِ النصوص، والصور المتداعية أنصُ جسدي على جادةِ العشق؛ أقوّمُ أركانهُ بالقبلاتِ، واللمس؛ أصل إليه أحيانًا وأحيانًا لا أضمُ سوى خيالٍ بعيد؛ بين أن أكون غيمةً وأن أكون جسدًا أكون لغةً، وصوتًا يهزُ كيانه أن يُرى بعيني… أسحب مائي، من بئر الظُلمات؛ ولا يجيءُ ليّ صبح جديد؛ عتمةٌ فوق العتماتِ، حِبرُ هذه الروح تدفقَ في الأرضِ جرحًا ونبعًا وإنتهاءً أقدمتُ على محو ما كنتُ، أصبحتُ صفحةَ تاريخٍ جديد معجونةٌ بخيوط الضوء التي عادت دون اخبار؛ لتكشف عن سُحنة وجهي الآخر، فلم تحلّ المرآة بعدُ ليرى! يا عاهل الجراح المسك، وجوهر البعادِ الملح، وقارب الأمنيات للولادة قد حانت عيناك الآن؛ فنظر بهما الكتابةُ جسدك، والتاريخ معناك ملايين السنين الضوئية، وقربك الحُب الخلود، يا سيد المضي الشعوري في الافئدة يا عاهل آلام العالمين .

    الكاتب: هيثم بن محمد البرغش

    0المفضلة

    18 المشاهدات

    0 تعليقات

    المفضلة إبلاغ

    #السعودية #شعر #أدب 

التعليقات معطلة من قبل المؤلف أو الإدارة

التعليقات (0)

المزيد من هيثم بن محمد البرغش

عرض جميع الأعمال

مواضيع ذات صلة

  • طفقتُ ألملم الفراغ!

    المزيد من هيثم بن محمد البرغش

    عرض جميع الأعمال

    مواضيع ذات صلة